تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تقف عند الرقعة الجغرافية في شرق أوروبا، بل امتد إلى تفاصيل حياة المواطنين في المنطقة العربية، عبر أهم سلعة يستهلكونها، وهي رغيف الخبز.
فالأرقام كلها تشير إلى أن جل الدول العربية، يعتمد في خبزه اليومي، على القمحين الروسي والأوكراني، بنسبة تصل في بعض الحالات إلى 70% مثل مصر، وهو ما دفع كثيرين في الدول المنطقة العربية، إلى دق ناقوس الخطر، محذرين من أن الحرب المشتعلة في أوكرانيا، ستمس قوت الناس اليومي.
ومع مرور أكثر من أسبوعين على الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقف تصدير القمح إلى الدول العربية، بدت التداعيات واضحة، في إعلانات متتالية من الدول العربية، حول خسائرها تارة، وبحثها عن بدائل تارة أخرى.
هذا التأثير يبرز مع إثارة الحديث حول إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، ما يهدد بانفجار أزمة غذائية في عدة بلدان عربية، تستورد عادة الحبوب، خاصة القمح، في ظل أسعاره التي تزداد يوما بعد آخر، لتصل إلى ذروتها للمرة الأولى منذ 14 عاما.
وقررت أوكرانيا، الأربعاء، حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية؛ كما حظرت روسيا تصدير القمح ونحو 200 سلعة أخرى.
وتشير الأرقام إلى أن الدول العربية بشكل عام، تحصل على ما نسبته 25% من صادرات القمح العالمية، فيما تستورد مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا؛ نظرا لسعرها المنخفض في البلدين، إضافة إلى فرنسا ورومانيا.
ووفق تقرير عن معهد كبيل الألماني للاقصاد العالمي، فإن أفريقيا ستكون الضحية الأكبر لقرار وقف الصادرات الأوكرانية.
قال المعهد: “من الممكن أن تلحق الحرب في أوكرانيا أضرارا جسمية بإمدادات الحبوب المستخدمة في إنتاج الطعام بالدول الأفريقية، على نحو يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الغذاء إذا توقفت أوكرانيا عن توريد الحبوب”.
وأوضح التقرير أن أوكرانيا “تزود دول شمال أفريقيا بكميات كبيرة من الحبوب، التي لا يمكن تعويضها من خلال مصادر إمداد أخرى حتى في الأمد الطويل”.
وأمام ذلك، سارعت دول شمال أفريقيا من العرب، في اتخاذ خطوات من شأنها التقليل من حدة الأزمة.
مصر
ففي مصر، قررت وزارة التجارة والصناعة، الخميس، حظر تصدير “الفول الحصى والمدشوش، والعدس، والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، فضلا عن المعكرونة بأنواعها”، وذلك لمدة 3 أشهر، اعتبارا من 11 مارس/آذار الجاري.
يأتي ذلك ضمن “قرارات استباقية”، في ظل مخاوف من أزمة اقتصادية وموجة تضخم بدأت تتأثر بها الأسواق، عبر ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع والأغذية في السوق المحلية.
وشهدت الأسعار بالأسواق ارتفاعا كبيرا، حيث زاد سعر طن القمح في السوق المصرية نحو ألف جنيه، ليتراوح بين 6 آلاف إلى 6500 جنيها، بينما ارتفع طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه، مقابل نحو 8 آلاف جنيه قبيل الأزمة الأوكرانية.
وكشفت وزارة المالية المصرية، السبت أن المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي احتياجات البلاد حتى نهاية هذا العام، مشيرة إلى أن موسم الحصاد المحلي يبدأ منتصف أبريل/نيسان المقبل.
وقال وزير المالية “محمد معيط”، إن “الحكومة المصرية حريصة على تحمل تداعيات الموجة التضخمية العالمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية مع المواطنين وذلك لتخفيف العبء عنهم”، موضحا أن “المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي احتياجاتنا حتى نهاية العام”.
تهدف مصر هذا العام لخفض فاتورة وارداتها في ظل زيادة الأسعار العالمية والتوترات السسياسية وحرب روسيا-أوكرانيا.
ورفعت سعر توريد “أردب” القمح المحلي (يساوي 150 كيلوجراماً) 14% إلى 820 جنيهاً في 2022.
وسبق أن توقع “معيط”، ارتفاع تكلفة استيراد القمح من الخارج، في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، بنحو 12-15 مليار جنيه (763-954 مليون دولار) في الموازنة الحالية.
وقال “معيط”، الأحد، إن التوترات الجيوسياسية العالمية الراهنة “سيكون لها تأثير سلبي على موازنة العام المالي الحالي”.
وأمام ذلك، طلبت مصر من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة زيادة قرض مقرر سلفا لتمويل استيراد السلع التموينية بقيمة 700 مليون دولار، بسبب ارتفاع أسعار القمح عالميا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بمتوسط سنوي 13.8 مليون طن، بينما يبلغ الاستهلاك المحلي، قرابة 22 مليون طن سنويا.
وكشفت بيانات رسمية حديثة، تطور واردات مصر من القمح خلال 11 شهرا من 2021، والتي سجلت إجماليا بلغ نحو 2.4 مليارات دولار، مقابل نحو 2.9 مليارات دولار خلال الفترة نفسها من العام 2020 بنسبة انخفاض بلغت نحو 16.2%.
وتصدرت روسيا قائمة أعلى 10 دول استوردت مصر منها القمح خلال الـ11 شهرا الأولى من 2021، حيث سجلت قيمة واردات مصر منها نحو 1.2 مليار دولار، وبكمية بلغت 4.2 مليون طن لتستحوذ على 69.4% من إجمالي واردات مصر من القمح.
وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية بقيمة 649.4 ملايين دولار، وبكمية بلغت 651.4 آلاف طن، مستحوذة على 10.7% من إجمالي واردات القمح المصري.
تونس
يبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 ملايين طن، بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن من الشعير، وفقا لديوان الحبوب التابع للحكومة.
وعلى أثر الأزمة المالية في البلاد، رفضت البواخر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها.
وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى يونيو/حزيران المقبل، كما أكد “عبدالحليم قاسمي”، القيادي بوزارة الزراعة التونسية.
وألقت الحرب في أوكرانيا بظلالها على تونس التي تشهد منذ أسابيع أزمة في الطحين والسكر، ولمنع تفاقمها قرر الرئيس التونسي “قيس سعيّد”، شن “حرب دون هوادة” ضد محتكري المواد الغذائية والأساسية في الأسواق المحلية.
وحذر “سعيّد”، الذي يعد مرسوما رئاسيا لمواجهة هذه الظاهرة يتضمن عقوبات تصل إلى السجن، من أنها “ضرب للسلم الاجتماعي والأمن في المجتمع”.
وبالإضافة إلى ذلك، قال متعاملون أوروبيون إنهم يعتقدون أن مشتري الحبوب الحكومي في هذا البلد اشترى قمحا لينا وعلف شعير في مناقصة عالمية، أغلقت الجمعة.
ولم يتضح في التقييمات الأولية حجم الشراء بالتحديد، لكن التقديرات تشير إلى أنه قريب من 125 ألف طن من القمح اللين، و100 ألف طن من الشعير، كانت مطلوبة في المناقصة.
وقال متعاملون في تقييمات أولية، إن أقل سعر للقمح اللين كان عند نحو 491.68 دولار للطن شاملا تكلفة الشحن.
الجزائر
وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا، وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون 6 أشهر على الأقل، حسب تصريحات رسمية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن الديوان المهني للحبوب في الجزائر شراء ما لا يقل عن 600 ألف طن من قمح الطحين في مناقصة دولية
كما أعلن شراء ما بين 600 ألف و700 ألف طن من قمح الطحين من مناشئ خيارية في مناقصة عالمية في وقت متأخر، الأربعاء.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن وزير الزراعة “محمد عبدالحفيظ هني”، قوله، الأحد: إن لدى الجزائر مخزونا كافيا من الحبوب حتى نهاية العام.
وقال الوزير إن “الجزائر اتخذت كافة احتياطاتها لضمان تغطية السوق الوطنية وتلبية كافة احتياجات المواطنين من الحبوب”، مضيفا أنه توجد ضغوط كبيرة في سوق الحبوب العالمية حاليا.
وتبلغ واردات الجزائر السنوية من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه نحو 7 ملايين طن، بفاتورة تفوق 2 مليار دولار سنوياً.
فيما يقدر معدل الإنتاج المحلي السنوي من القمح الصلب نحو 3.17 مليون طن، والمساحات المزروعة 8.6 مليون هكتار.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وضعت الجزائر عدة شروط صارمة لاستيراد القمح وتنويع الموردين؛ بهدف “كسر احتكار القمح الفرنسي للسوق”، وفقا لوسائل الإعلام الجزائرية.
وللمرة الأولى منذ 5 سنوات استأنفت الجزائر في يونيو/حزيران 2021 استيراد القمح من روسيا بعد أن تسلمت 28 ألف طن.
وتعد الجزائر ثاني أكبر مستورد للقمح الأرجنتيني بمعدل استيراد سنوي يفوق 900 ألف طن منه بقيمة 160 مليون دولار.
المغرب
أما المغرب، فيتعتبر من أبرز مستوردي القمح من أوكرانيا إلى جانب الذرة.
وحتى قبل تعطل الصادرات الأوكرانية والروسية، قال المغرب إن محصوله من الحبوب هذا العام سيتضرر بشدة بسبب الجفاف.
ويعتبر القمح المستورد من أوكرانيا أبرز منتج في واردات المغرب بمبلغ 1.1 مليار درهم، كما يستورد أكثر من 20% من حاجياته من القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا، حسب تقديرات الخبراء.
وقال رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن بالمغرب، الجمعة، إن البلاد لديها مخزونات من القمح تغطي استهلاكها لخمسة أشهر بعد أن تسلمت معظم طلبياتها من أوكرانيا قبل بدء الصراع هناك.
غير أن رئيس الفيدرالية “عبدالقادر العلوي”، يضيف أن المملكة تسلمت نصف مليون طن من القمح اللين الأوكراني من أصل طلبية حجمها 0.6 مليون طن تغطي الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني إلى فبراير/شباط، وستسعى للحصول على مزيد من الإمدادات من مناطق أخرى.
ويقول المغرب إنه يتوقع زيادة الإنفاق على دعم القمح اللين 15% عن العام الماضي، إلى 3.8 مليارات درهم (410 ملايين دولار).
ويمثل القمح الأوكراني والروسي 25% و11% من واردات المغرب من القمح على الترتيب، فيما تتصدر فرنسا قائمة الموردين.
ويضيف “العلوي”، أن أنظار المتعاملين المغاربة تتجه إلى القمح الفرنسي والبرازيلي والأرجنتيني والبولندي والألماني والليتواني، بحسب صحف محلية.
ويردف أن طاقة تخزين القمح تقدر بـ5 ملايين طن، وأن الحكومة تشجع المستثمرين على بناء المزيد من الصوامع ومستودعات التخزين.
وتهدد أسوأ موجة جفاف في المغرب منذ 30 عاما محصول هذا العام، ما جعل المتعاملين يتوقعون حملة استيراد ضخمة من حيث القيمة والحجم هذا العام.
وفي الموسم الماضي، كان المحصول المحلي البالغ 10.3 مليون طن أكبر من ثلاثة أمثال ما كان عليه في العام السابق.
ومع ذلك، ارتفعت واردات المغرب من القمح اللين 8.7% إلى 3.97 ملايين طن.
وعلى الرغم من أن المتعاملين يعطون الأولوية للمحصول المحلي، يقول متعاملون إن حوالي نصف المحصول المغربي فقط يُباع للمطاحن الصناعية التي توفر 80% من احتياجات البلاد من القمح اللين، وذلك لأن صغار المزارعين يحجزون البعض لاستهلاكهم الخاص.